عن الموقع


عن الموقع


حال النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله القائل في كتابه الكريم: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}1، والصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير، محمد بن عبد الله الصادق الأمين، صلى الله عليه وعلى آله الأطهار وصحابته الكرام وسلم تسليماً كثيراً، أخرجنا الله برسالته من الظلمات إلى النور، فلله الحمد في الآخرة والأولى.

أما بعد:

من المعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن حاله في رمضان كحاله في غيره من الشهور، فقد كان برنامجه - صلى الله عليه وسلم- في هذا الشهر المبارك مليئاً بالطاعات والقربات، وذلك لعلمه - صلى الله عليه وسلم - بما لهذه الأيام والليالي من فضيلة خصها الله - تبارك وتعالى - بها وميزها عن سائر أيام العام، والنبي - صلى الله عليه وسلم - وإن كان قد غفر له من تقدم من ذنبه، إلا أنه أشد الأمة اجتهاداً في عبادة ربه - تبارك وتعالى - وقيامه بحقه.

وسنقف في هذا الموضوع مع شيء من هديه - عليه الصلاة والسلام - في شهر رمضان المبارك حتى يكون دافعاً لنا ومحفزاً لعزائمنا أن نقتدي بنبينا، ونلتمس هديه - صلى الله عليه وسلم -، فقد كان - صلى الله عليه وسلم- يكثر في هذا الشهر من أنواع العبادات، فكان جبريل- عليه السلام - يدارسه القرآن في رمضان، وكان - عليه الصلاة والسلام - إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة، وكان أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان، يكثر فيه من الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن، والصلاة والذكر والاعتكاف عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود بالخير من الريح المرسلة"2، وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله"3، وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعتكف العشر الأواخر من رمضان"4،

 

وعن عائشة - رضي الله عنها - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -: " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله ثم اعتكف أزواجه من بعده"5، وذلك ليجمع قلبه لمناجاة ربه - تبارك وتعالى -، وليتفرغ لذكره ومناجاته، وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن: أنه سأل عائشة - رضي الله عنها - كيف كانت صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان؟ فقالت: ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعاً فلا تسل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعاً فلا تسل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثاً، فقلت: يا رسول الله أتنام قبل أن توتر؟ قال: ((يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام قلبي))6.

وكان يخصُّ رمضان من العبادة بما لا يخص غيره من الشهور، حتى إنه ربما واصل الصيام يومين أو ثلاثة ليتفرغ للعبادة، وينهى أصحابه عن الوصال، عن أبي سعيد - رضي الله عنه -: أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لا تواصلوا فأيكم إذا أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر)). قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله قال: ((إني لست كهيئتكم إني أبيت لي مطعم يطعمني وساق يسقين))7، وكان النبي - عليه الصلاة والسلام - يحث على السحور،  ويخبر بأنه بركة عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((تسحروا فإن في السحور بركة))8، وكان من هديه تعجيل الفطر وتأخير السحور، فأما الفطر فقد ثبت عنه من قوله ومن فعله أنه كان يعجل الإفطار بعد غروب الشمس وقبل أن يصلي المغرب، عن سهل بن سعد - رضي الله عنه -: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر))9، وكان يفطر على رطبات، فإن لم يجد فتمرات، فإن لم يجد حسا حسوات من ماء،

 

عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفطر على رطبات قبل أن يصلي فإن لم تكن رطبات فعلى تمرات فإن لم تكن حسا حسوات من ماء"10، وأما السحور فكان يؤخره حتى ما يكون بين سحوره وبين صلاة الفجر إلا وقت يسير، قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية كما ثبت ذلك في الصحيح عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وزيد بن ثابت تسحرا، فلما فرغا من سحورهما قام نبي الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الصلاة فصلى، قلنا لأنس: كم كان بين فراغهما من سحورهما ودخولهما في الصلاة؟ قال: قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية"11.

وكان النبي - صلى الله عليه وسلم- يقبل أزواجه وهو صائم، ويباشرهن مباشرة من غير جماع لحديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم ولكنه أملككم لإربه"12، وربما جامع أهله بالليل فأدركه الفجر وهو جنب، فيغتسل ويصوم ذلك اليوم لحديث عائشة - رضي الله عنها -: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدركه الفجر في رمضان من غير حلم فيغتسل ويصوم"13، وكان - صلى الله عليه وسلم- لا يدع الجهاد في رمضان بل إن المعارك الكبرى قادها - صلى الله عليه وسلم- في رمضان ومنها بدر وفتح مكة،

 

عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن ابن عباس - رضي الله عنهما - أخبره: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزا غزوة الفتح في رمضان"14، وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه أخبره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج عام الفتح في رمضان فصام حتى بلغ الكديد ثم أفطر وكان صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتبعون الأحدث فالأحدث من أمره"15، وكان يصوم في سفره تارة، ويفطر أخرى، وربما خيَّر أصحابه بين الأمرين عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ الكديد أفطر فأفطر الناس"، قال أبو عبد الله: " والكديد ماء بين عسفان وقديد"16، وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لست عشرة مضت من رمضان فمنا من صام ومنا من أفطر فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم"17.

هذا هو هديه - صلى الله عليه وسلم -، وتلك هي طريقته وسنته، فما أحوجنا إلى الاقتداء بنبينا والتأسي به - صلى الله عليه وسلم - في عبادته وتقربه، والعبد وإن لم يبلغ مبلغه، فليسدد وليقارب، وليعلم أن النجاة في اتباعه والسير على منهجه، نسأل الله - تبارك وتعالى - أن يرزقنا إتباعه ظاهراً وباطناً، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .